فصل: قال المراغي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الكَرْماني:

سورة الحجر:
قوله: {لو ما تأتينا} وفي غيرها: {لولا} لأن لولا تأتي على وجهين أحدهما امتناع الشيء لوجود غيره وهو الأكثر والثاني بمعنى هلا وهو للتحضيض ويختص بالفعل ولولا بمعناه وخصت هذه السورة بلوما موافقة لقوله تعالى: {ربما يود} فإنها أيضا مما خصت به هذه السورة.
قوله: {وإذا قال ربك للملائكة إني خالق بشرا} هنا وفي [ص:71] وفي البقرة: {إذ قال ربك للملائكة إني جاعل} ولا ثالث لهما لأن جعل إذا كان بمعنى خلق يستعمل في الشيء يتجدد ويتكرر كقوله: {خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} لأنهما يتجددان زمانا بعد زمان وكذلك الخليفة يدل لفظه على أن بعضهم يخلف بعضا إلى يوم القيامة وخصت هذه السورة بقوله {إني خالق بشرا} إذ ليس في لفظ البشر ما يدل على التجدد والتكرار فجاء في كل واحدة من السورتين ما اقتضاه ما بعده من الألفا.
قوله: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} في هذه وفي [ص] لأنه لما بالغ في السورتين في الأمر بالسجود وهو قوله فقعوا له ساجدين في السورتين بالغ في الامتثال فيهما فقال فسجد الملائكة كلهم أجمعون لتقع الموافقة بين أولاها وأخراها وباقي قصة آدم وإبليس سبق.
قوله في هذه السورة لإبليس: {وإن عليك اللعنة} بالألف واللام وفي ص: {وإن عليك لعنتي} بالإضافة لأن الكلام في هذه السورة جرى على الجنس من أول القصة في قوله: {ولقد خلقنا الإنسان} {والجان خلقناه} {فسجد الملائكة كلهم} كذلك قال عليك اللعنة وفي ص تقدم {لما خلقت بيدي} فختم بقوله: {عليك لعنتي}.
قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} وزاد في هذه السورة إخوانا لأنها نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سواها عام في المؤمنين.
قوله في قصة إبراهيم: {فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون} لأن هذه السورة متأخرة فاكتفى بها عما في هود لأن التقدير فقالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قال إنا منكم وجلون فحذف للدلالة عليه.
قوله: {واتبع أدبارهم قد سبق}.
قوله: {وأمطرنا عليهم} وفي غيرها {فأمطرنا عليها} قال بعض المفسرين عليهم أي على أهلها وقال بعضهم على من شذ من القرية منهم قلت وليس في القولين ما يوجب تخصيص هذه السورة بقوله عليهم بل هو يعود على أول القصة وهو {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} ثم قال {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} فهذه لطيفة فاحفظها.
قوله: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} بالجمع وبعدها {لآية للمؤمنين} على التوحيد.
قال الخطيب الأولى إشارة إلى ما تقدم من قصة لوط وضيف إبراهيم وتعرض قوم لوط لهم طمعا فيهم وقلب القرية على من فيها وإمطار الحجارة عليها وعلى من غاب منهم فختم بقوله لآيات للمتوسمين أي لمن تدبر السمة وهي ما وسم الله به قوم لوط وغيرهم قال والثانية تعود إلى القرية وإنها لسبيل مقيم وهي واحدة فوحد الآية.
قلت: ما جاء من الآيات فلجمع الدلائل وما جاء من الآية فلوحدانية المدلول عليه فلما ذكر عقيبه المؤمنون وهم المقرون بوحدانية الله تعالى وحد الآية وليس لها نظير في القرآن إلا في العنكبوت وهو قوله تعالى: {خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين (44)} فوحد بعد ذكر الجمع لما ذكرت والله أعلم. اهـ.

.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة الحجر:
{ربما}: بضم الراء وتخفيف الباء وتشديدها كلمة تدل على أن ما بعدها قليل الحصول، فإذا قيل ربما زارنا فلان دل على أن حصول الزيارة منه قليل، يلههم: أي يشغلهم من قولهم: لهيت عن الشيء ألهى لهيا إذا أعرضت عنه، ما تسبق: أي ما يتقدم زمان أجلها.
{الذكر}: هو القرآن، و{لوما} مثل {هلا} كلمة تفيد الحث والحضّ على فعل ما يقع بعدها، منظرين: أي مؤخرين، والشيع: واحدهم شيعة وهى الجماعة المتفقة على مبدأ واحد في الدين والمعتقدات، أو في المذاهب والآراء. {نسلكه}: أي ندخله يقال سلكت الخيط في الإبرة: أي أدخلته فيها، {يعرجون}: يصعدون، {سكّرت}: سددت ومنعت من الإبصار، {مسحورون}: أي سحرنا محمد بظهور ما أبداه من الآيات.
البروج: واحدها برج وهى النجوم العظام، ومنها نجوم البروج الاثني عشر المعروفة في علم الفلك، {للناظرين}: أي المفكّرين المستدلين بذلك على قدرة مقدّرها وحكمة مدبّرها، {وحفظناها}: أي: منعناها، و{الرجيم}: أي المرجوم المرمى بالرّجام: أي الحجارة، والمراد بالرجيم هنا المرمىّ بالنجوم، و{استرق}: من السرقة، وهى أخذ الشيء خفية شبه به خطفتهم اليسيرة من الملأ الأعلى، و{السمع}: المراد به ما يسمع، والشهاب: الشعلة الساطعة من النار الموقدة ومن السحاب في الجو وتبعث القوم تبعا وتباعة بالفتح: أي مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم وأتبعت القوم إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، {مددناها}: أي بسطناها، و{الرواسي}: واحدها راسية وهى الجبال الثوابت.
{موزون}: أي مقدر بمقدار معين تقتضيه الحكمة والمصلحة.
الخزائن: واحدها خزانة وهى المكان الذي تحفظ فيه نفائس الأموال، واللواقح: واحدها لاقح أي ذات لقاح وحمل، و{أسقيناكموه}: أي جعلناه لكم سقيا لمزارعكم ومواشيكم، تقول العرب إذا سقت الرجل ماء أو لبنا سقيته، وإذا أعدوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته قالوا أسقيته أو أسقيت أرضه أو ماشيته، و{المستقدمين}: من ماتوا، و{المستأخرين}: الأحياء الذين لم يموتوا بعد.
{صلصال}: أي طين يا بس يصلصل ويصوّت إذا نقر وهو غير مطبوخ، فإذا طبخ فهو فخّار، و{حمأ}: أي طين تغير واسودّ من مجاورة الماء له واحدته حمأة، و{مسنون}: أي مصوّر مفرغ على هيئة الإنسان كالجواهر المذابة التي تصب في القوالب.
و{الجانّ}: أي هذا الجنس كما أن الإنسان يراد به ذلك، فإذا أريد بالإنسان آدم أريد بالجان أبو الجن، و{نار السموم}: هي النار الشديدة الحرارة التي تقتل وتنفذ في المسامّ، {بشرا}: أي إنسانا وسمى بذلك لظهور بشرته أي ظاهر جلده، {سويته}: أي أتممت خلقه وهيّاته لنفخ الروح فيه، والنفخ: إجراء الريح من الفم أو غيره في تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء بها، ويراد به هنا إضافة ما به الحياة على المادة القابلة لها، و{رجيم}: أي مرجوم مطرود من كل خير وكرامة، {اللعنة}: الإبعاد على سبيل السخط يوم الدين: أي يوم الجزاء، {فأنظرنى}: أي أمهلنى وأخرنى ولا تمتنى، و{يوم الوقت المعلوم}: هو وقت النفخة الأولى حين تموت الخلائق كما روى عن ابن عباس، والإغواء: الإضلال، {هذا صراط علىّ}: أي هذا صراط حق لابد أن أراعيه {مستقيم} أي لا انحراف فيه فلا يعدل عنه إلى غيره، والسلطان: التسلط والتصرف بالإغواء، {سبعة أبواب}: أي سبع طبقات، {جزء مقسوم}: أي فريق معين مفروز من غيره.
{المتقون}: هم الذين اتقوا الكفر والفواحش ولهم ذنوب من الصغائر تكفرها الصلوات وغيرها، {جنات}: أي بساتين، {وعيون}: أي أنهار جارية، {بسلام}: أي بسلامة من الآفات، وأمن من المخافات، والغل: الحقد الكامن في القلب، والسرر: واحدها سرير وهو مجلس رفيع مهيأ للسرور، والنصب: الإعياء والتعب.
تقول: أنبأت القوم إنباء ونبّأتهم تنبئة: إذا أخبرتهم، والأفصح في كلمة الضيف: ألا تثنى ولا تجمع حين تستعمل للمثنى والجمع والمؤنث بل تستعمل بلفظ واحد لكل ذلك، والوجل: اضطراب النفس لخوفها من توقع مكروه يصيبها، {عليم}: أي ذي علم كثير، {بالحق}: أي بالأمر المحقق الذي لا شك في وقوعه، وقنط من كذا: أي: يئس من حصوله و{الضالون}: الكفار الذين لا يعرفون كمال قدرته تعالى وسعة رحمته، و{خطبكم}: أي أمركم وشأنكم الذي لأجله أرسلتم، {قدرنا}: أي قضينا وكتبنا يقال قضى اللّه عليه كذا وقدّره عليه: أي جعله على مقدار الكفاية في الخير والشر، وقدر اللّه الأقوات: جعلها على مقدار الحاجة، و{الغابرين}: أي الباقين مع الكفار ليهلكوا معهم، وأصله من الغبرة وهى بقية اللبن في الضّرع، {منكرون}: أي لا أعرفكم ولا أعرف من أىّ الأقوام أنتم؟ ولأى غرض دخلتم علىّ؟ و{يمترون}: أي يشكّون ويكذبون به، {فأسر بأهلك}: أي اذهب بهم ليلا، والقطع من الليل: الطائفة منه كما قال:
افتحي الباب وانظري في النجوم ** كم علينا من قطع ليل بهيم

{اتبع أدبارهم}: أي كن على إثرهم لتسرع بهم وتطّلع على أحوالهم، و{قضينا}: أي أوحينا، و{دابر}: آخر، و{مقطوع}: أي مهلك مستأصل، {مصبحين}: أي في وقت الصباح، و{المدينة}: هي سذوم {بالذال المعجمة} مدينة قوم لوط، والاستبشار: إظهار السرور، والفضيحة: إظهار ما يوجب العار، والخزي: الذل والهوان، والعمر والعمر {بالفتح والضم}: الحياة، وهو حين القسم بالفتح لا غير، {سكرتهم}: غوابتهم: {يعمهون} أي يتحيرون، و{الصيحة}: الصاعقة، وكل شيء أهلك به قوم فهو صيحة وصاعقة أخرجه ابن المنذر عن ابن جرير، {مشرقين}: أي داخلين في الشروق وهو بزوغ الشمس، والسجيل: الطين المتحجر وهو معرّب لا عربى في المشهور، {للمتوسمين} أي المتفرسين الذين يتثبتون في نظرهم ليعرفوا سمة الشيء وعلامته، يقال توسمت في فلان خيرا: أي ظهرت لى منه علاماته، قال عبد اللّه بن رواحة يمدح النبي صلى اللّه عليه وسلم:
إنى توسمت فيك الخير أعرفه ** واللّه يعلم أنى ثابت البصر

{لبسبيل مقيم}: أي لبطريق واضح معلم ليس بخفي ولا زائل، و{أصحاب الأيكة}: قوم شعيب عليه السلام، و{الأيكة}: الغيضة، وهى الشجر الملتف بعضه على بعض وقد كانوا في مكان كثير الأشجار كثيف الغبار، {لبإمام مبين}: أي لبطريق واضح وأصل الإمام ما يؤتم به سمى به الطريق لأنه يؤتم ويتّبع، و{أصحاب الحجر}: هم ثمود، و{الحجر}: واد بين المدينة والشام كانوا يسكنونه، ويسمى كل مكان أحيط بالحجارة حجرا ومنه حجر الكعبة، و{آياتنا}: هي الناقة وفيها آيات كثيرة كعظم خلقها، وكثرة لبنها، وكثرة شربها، والإمام: ما يؤتم به ومن جملة ذلك الطريق التي تسلك.
{بالحق}: أي بالحكمة والمصلحة، و{الساعة} يوم القيامة، و{الصفح}: ترك التثريب واللوم، و{الصفح الجميل}: ما خلا من العتب.
{المثاني}: واحدها مثنى من التثنية وهو التكرير والإعادة، ومد عينيه إلى حال فلان: اشتهاه وتمناه، والأزواج: واحدها زوج وهو الصّنف، وخفض الجناح: إذ به التواضع واللين، وأصل ذلك أن الطائر إذا أراد أن يضم فرخه إليه بسط جناحه له، والجناحان من الإنسان: جانباه، و{النذير}: المخوّف بعقاب اللّه من لم يؤمن به، و{عضين}: أي أجزاء واحدها غضة من عضيت الشاة جعلتها أعضاء وأقساما، {فاصدع بما تؤمر}: أي اجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا، {يضيق صدرك}: أي ينقبض من الحسرة والحزن، و{الساجدين}: أي للمصلّين، و{اليقين}: الموت وسمى به لأنه أمر متيقن لا شك فيه. اهـ. باختصار.

.قال أبو جعفر النحاس:

سورة الحجر مكية وآياتها 99 آية.
من ذلك قوله جل وعز: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} روى سفيان عن خصيف عن مجاهد عن حماد عن إبراهيم قال يدخل قوم من الموحدين النار فيقول لهم المشركون ما أغنى عنكم إسلامكم وإيمانكم وأنتم معنا في النار فيخرجهم الله جل وعز منها فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانو مسلمين وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ذلك يوم القيامة وروى عن ابن عباس قال يقول المشركون لمن أدخل النار من الموحدين ما نفعكم ما كنتم فيه وأنتم في النار فيغضب الله جل وعز لهم فيخرجون إلى نهر يقال له نهر الحياة فينبتون فيه ثم تبقى على وجوههم علامة يعرفون بها يقال هؤلاء الجهنميون فيسألون الله جل وعز أن يزيل ذلك عنهم فيزيله عنهم ويدخلهم الجنة فيتمنى المشركون أن لو كانوا مسلمين وقيل إذا عاين المشركون تمنوا الإسلام فاما معنى رب ها هنا فإنما هي في كلام العرب للتقليل وأن فيها معنى التهديد وهذا تستعمله العرب كثيرا لمن تتوعده وتتخدده أخبرنا يقول الرجل للآخر ربما ندمت على ما تفعل ويشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله بل حقيقة المعنى أنه يقول لو كان هذا مما يقل أو يكون مرة واحدة لكان ينبغي أن لا تفعله وأما قول من قال أن رب تقع للتكثير فلا يعرف في كلام العرب وقيل إن هذا إنما يكون يوم القيامة إذا أفاقوا من الأهوال التي هم فيها فإنما يكون في بعض المواطن والقول الأول أصحها والدليل على أنه وعيد وتهدد قوله بعد ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون.
ثم قال تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} أي لا يتقدمه ولا يتأخره.
وقوله جل وعز: {لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين} معنى لو ما ولولا وهلا واحد وأنشد أهل اللغة:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ** بنى ضوطرى لولا الكمي المقنعا

أي هلا تعدون الكمي المقنعا وروى حجاج عن ابن جريج قال في هذا تقديم وتأخير يذهب ال أن جوابه قوله تعالى: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون} يذهب إلى أن هذا متصل بقوله تعالى: {لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين}.
ثم قال تعالى: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق}. قال مجاهد أي بالأرسال والعذاب.
ثم قال تعالى: {وما كانوا إذا منظرين} أي لو نزلت الملائكة ما أمهلوا ولا قبلت توبتهم كما قال تعالى: {ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر}.
وقوله جل وعز: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} قال ثابت وقتادة حفظه الله من أن تزيد الشياطين فيه باطلا أو تبطل منه حقا وقال مجاهد هو عندنا.
وقوله جل وعز: {ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين أي فرق الأولين}.
وقوله جل وعز: {كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به} روى سفيان عن حميد عن الحسين قال كذلك نسلك الشرك وقال أبو عبيد حدثنا حجاج عن أبن جريج عن مجاهد قال نسلك التكذيب قال أبو جعفر وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير وأهل اللغة إلا من شذ منهم فإن بعضهم قال المعنى كذلك نسلك القرآن واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا القرآن عليهم وأسمعهم إياه ووصل إلى قلوبهم وكان ذلك بأمر الله وقوته كان الله عز وجل هو الذي يسلكه في قلوبهم على هذا المعنى وقيل لما خلقهم خلقة يفهمون بها ما يأتيهم من الوحي فإذا خلقهم خلقه يفهمون بها ما يسلك ذلك في قلوبهم فكأنه سلك.
ثم قال جل وعز: {وقد خلت سنة الأولين} أي قد تقدمت سنتهم في التكذيب بالآيات والبراهين وكفرهم فهؤلاء يقتفون آثارهم.
ثم قال جل وعز: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فطلوا فيه يعرجون} قال عبد الله بن عباس أي فظلوا الملائكة فيه يعرجون أي يذهبون ويجيئون قال أهل اللغة عرج يعرج إذا صعد وارتفع ومنه قول العامة عرج بروح فلان.
ثم قال تعالى: {لقالوا إنما سكرت أبصارنا} قال ابن عباس أخذت قال أبو جعفر والمعروف من قراءة مجاهد والحسن سكرت بالتخفيف قال الحسن أي سحرت وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال سكرت أبصارهم أذا عشيها سمادير حتى لا يبصروا وقال الفراء من قرأ سكرت أخذه من سكون الريح قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربه والأصل فيها ما قال أبو عمرو بن العلاء يرحمه الله قال هو من السكر في الشراب.
وهذا قول حسن أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشى السكران ما غطى عقله وسكور الريح سكونها وفتورها وهو يرجع إلى معنى التخيير.